فتاة تبوك كالرجس الجميع تبرأ منها
لا يساورني شك بأن كل من شارك في قصة الفتاة والشاب المحترقين في سيارة "كامري" بعد أن اصطدما في شاحنة كبيرة على طريق تبوك المدينة ، ويودون لو أن الزمن يعود قليلا قبل هذه الحادثة ليغير كل منهم الطريقة التي تعاطى بها مع تلك الحادثة التي انتهت باحتراق فتاة وشاب أحبا بعضهما فاحتراقا في مجتمع لا يرى الحب إلا من بوابة الخطيئة ما لم يعط ورقة من المؤسسة الدينية .
فالشاب الذي بلغ عن ركوب فتاة مع شاب في سيارة ، وبعد مراقبته للسيارة وهي تحترق قال : "بكيت عندما شاهدتهما يحترقان" ، وسائق الشاحنة سالم نصار (مصري الجنسية) رغم تبرئة المرور لعدم تسببه بالحادث ، أكد أن الأمر كان مأساويا ، وأنه أصيب بحالة هستيرية ، وكاد يحترق لو لم يبعده الأمن عن الحريق ، حتى رجال الهيئة ورجل الأمن المرافق لهم هم أيضا يتمنون لو أن الأمر لم ينته إلى هذه المأساة ، وما طاردوا السيارة .
ومع هذا كانت ردود فعل الغالبية ينقصها شيء من الإنسانية لحادث ليس مؤلما فقط ، بل ويفضح المسكوت عنه ، فجل ردود الفعل لم تخرج عن "لابد من وضع حد للهيئة" أو هذا عمل من المفترض مكافأة رجال الهيئة لأنهم يحفظون المجتمع من الفساد .
كيف يحمل تصرف فردي جهة ما ، وكيف يفسد مجتمع بسبب فتاة وشاب ؟
لن أجيب على هذا السؤال بقدر ما أود تسليط الضوء على ما هو لا إنساني حاول غضب الغالبية إخفاءه أو تجاهله ، والذي يوازي مأساوية المشهد ، وأعني هنا أن الشاب "رحمة الله عليه" صلت أسرته والمجتمع عليه ، فيما الفتاة "رحمة الله عليها" ـ وإلى كتابة هذا المقال ـ لم يصلِ أحد عليها ، ولا تقدمت أسرة لتبلغ عن فقدان فتاتها .
لا أحمل أسرتها المسئولية كاملة ، فالمجتمع لن يرحم هذه الأسرة ، وسيتم أكل لحمها ، وسيكلل أسرتها العار إلى ما لا نهاية .
فالمجتمع الذي مازال يعشش الفكر الجاهلي في لا وعيه ، يرى المرأة عارا أو خطيئة ، لهذا يجب مراقبتها طوال الوقت ، وإن أخطأت وأحبت لابد من تجنبها كالرجس ، حتى أسرتها تتخلى عنها خوفا من العار .
قبل فترة أثار تقرير نشرته وزارة الشؤون الاجتماعية عن المنحرفات ضجة ، وكان عدد المنحرفات قد تجاوز الألف فتاة في أربع مدن خلال ثلاث سنوات ، مع أن أكثر من عشرين ألف شاب يسافرون كل يوم ليمارسوا نفس الانحراف ، ولم يتحرك المجتمع ، ولا هو أي المجتمع خاف من الفساد .
أذكر في لقاء مع أحد مثقفي وكتاب المجتمع الذي كثيرا ما تحدث عن أهمية التمسك بالقيم الإسلامية والأخلاق والشرف والعدالة ، سألته : ما الذي ستفعله إن شاهدت فتاة في سيارة ابنك ؟
أكد لي أنه سيحاول قدر المستطاع ألا يشاهده ابنه ، وإن شاهده سيضطر إلى توبيخه ، وأن الأمر لا يتعدى في نهاية المطاف إلا طيش شباب "كلنا مررنا به" قال جملته ضاحكا .
حين عدلت السؤال وأبعدت ابنه ووضعت ابنته ، قال غاضبا : "سأقتلها هي ومن معها" .
قلت له : لم تعدل ، والإسلام يساوي في العقوبة ، أكد لي أن القضية مرتبطة بالشرف ، أيضا لا أحمله المسئولية كاملة ، فالمجتمع لن يغفر له إن لم يقتلها ، وبالتأكيد سيمنحه صفة الرجولة حين يقتل ابنته .
بقي أن أقول : هل باستطاعة المجتمع الذي يزعم أن ثقافته إسلامية ، أن يعيد النظر في ثقافته عله يكتشف أن ثمة قيم جاهلية مازال يحتفظ بها ؟
هل باستطاعة هيئة الأمر بالمعروف إعادة النظر في الأسباب المؤدية لفساد المجتمع ؟
فتاريخ المجتمعات يخبرنا ، أنه وطوال عمر البشرية لم يستطع شاب وفتاة إفساد مجتمع بأكمله ، لأن المجتمع لا يفسد بسبب أخطاء فردية ـ هذا على افتراض أن الحب خطيئة" ، فالمجتمع يفسد حين يعم الظلم ، وتسرق الأموال العامة ، ويغيب العدل ، ويطبق القانون على الضعفاء فقط .
والمجتمع لا يعدل بين الجنسين ، والدليل أنه صلى على الشاب ، فيما الفتاة وإلى الآن لم يصل عليها ، ولا أحد يريد التعرف عليها ، لأنها رجس لابد أن يجتنبه المجتمع .